بمناسبة اقتراب موسم الصيام، وتكاثر برامج الفتاوى، والاستفتاءات، أحدثكم اليوم عن أحد المشايخ الفضلاء الذين تردهم في محاضراتهم وأمسياتهم وأحاديثهم الاستفتاءات والأسئلة وطلب الفتاوى، ومن كان في مكان كهذا فلا بد أن يواجه العجب العجاب من الأسئلة الغريبة والعجيبة، والأمر ليس سراً فقد باتت برامج الإفتاء على شاشات التلفزيون وأثير الإذاعة تنقل أفكار الناس، ومكامن قلقهم، ومواضع الشك لديهم.
يقول لي الشيخ الفاضل، وقد اشتهر بدعابته ولطفه وخفّة دمه، إن سائلاً سأله في الطائف بشكل شخصي، عقب محاضرة له في الطائف: هل يجوز أن تلبس زوجتي البنطلون (وفي رواية البنطال)، في شقتنا التي لا يوجد فيها إلا أنا وهي فقط؟!
فأجاب الشيخ الظريف: الأولى أن تبقى زلط ملط، خروجاً من الخلاف!
الأسئلة الغريبة، والاستفتاءات التي لا تمت للواقع بصلة، والشكوك التي لا موقع لها من الواقع، ليست حادثة جديدة، بل هي قديمة، ولا يردع هؤلاء آية من كتاب الله تتلى إلى أن تقوم الساعة توجه المؤمنين ألا يسألوا عن أشياء إن تُبدَ لهم تسؤهم!
والتاريخ حافل بأمثلة لهذا الورع الكاذب، فقد جاء رجل من أهل العراق إلى ابن عمر وقت الحج يسأله عن بعوضة قتلها، فهل عليه دم أم لا؟! فقال ابن عمر: سبحان الله، يا أهل العراق تقتلون ابن رسول الله (أي الحسين بن علي) وتسألون عن دم البعوض!
وجاء رجل زنى بامرأة إلى أحمد بن حنبل يسأله عن ابنه من الزنا، فقال له: لماذا لم تعزل، فقال الرجل: بلغني أن العزل مكروه، فقال أحمد: أو لم يبلغك أن الزنى حرام؟!
إن عظمة الإسلام تكمن في بساطته، وبعده عن التنطع والتشدد، لكن نماذج الاستفتاءات الحديثه تؤكد أن البعض مصاب باعوجاج في الفهم، وإساءة في استغلال أوقاته وأوقات المفتين، إلى درجة أن بعض الناس باتوا يسألون الفتوى في كل شأن من شؤون حياتهم اليومية، قل أو كثر، في وقت لم يجل صدورهم من الحقد، ولا نفوسهم من الضغينة، ولا عيونهم من الحسد.
يبيتون وقد شتموا هذا وأخذوا حق ذاك وربما كفروا أولئك وفسّقوا هؤلاء، ولا يجدون غضاضة في ممارسة كل ذلك، لكنهم يتورعون عن جعل نسائهم يلبسن البنطال في بيوتهم!